د. جمال القرى - قراءة في الكتاب

يشكل كتاب عماد الدين رائف المترجم "1897 قصص بيروتية" للأكاديمي الأوكراني- الروسي  أغاتانغل كريمسكي، بعد كتابه الأول "حكايات كوندوروشكين – لبنان قبل قرن بريشة روسية"، قفزة نوعية جديدة في فهم العلاقات الروسية - اللبنانية. فبعد أن كانت معظم الروايات الروسية التي تحاكي الواقع الروسي مجتمعًا وسياسة، والتي كتبها رواد الأدب واللغة والفكر الروسيين قد ترجمت إلى العربية، وتركت آثارًا كبيرة في وعينا الثقافي، فإن نمط الأدب الذي يهتم بترجمته إلى العربية عماد الدين رائف، يختلف عمّا سبقه من أعمال. فهو يضيء على مرحلة من العلاقات الروسية - السورية نشطت من خلال المدارس الروسية والتعليم الذي خصّت به روسيا المنطقة، ويبدو أنها كانت مرحلة تنافس بين الإرساليات الغربية والتبشير بالمذاهب المسيحية. ويتجلى من النصوص الفرق الكبير بين نشاطات تلك الإرساليات الغربية وبين الشرقية- الروسية، من ناحية الأهداف وطريقة التوجه، كما من الأثر الذي تركته في البنى الاجتماعية اللبنانية.
 
تنحو تلك الروايات المترجمة من المصدر إلى التأكيد على أن نظرة روسيا إلى دول الشرق اختلفت عن نظرة الغرب إليه في أماكن كثيرة، كما أنها أرّخت بأسلوبها وبنمط تفكير كتابها لحياة سكان المنطقة بكل تفاصيلها الصغيرة، ولنظراتهم المتباينة تجاه دول الإرساليات مع إضفاء الرأي الشخصي عليها، وهذا نموذج جديد للنظر إلى الذات بعيون أخرى جرى التعتيم عليها طويلا.
في روسيا بحر من العلوم والأدب والفكر لا يزال بعيدًا عن متناولنا، معرفته على حقيقته بعيدًا عن التنميط السياسي، تبدّل أشياء كثيرة، وتفتح الباب واسعًا لفهم وتقويم مغاير لما تحاول السياسات ابتداعه أو رسمه، أو خلق هالة من الروسا- فوبيا حوله أو على العكس، هالة من الانبطاح. ولا بد من مقاربة جدية جديدة لفهم التطورات والتعامل معها على أساس غير مسبق، وغير موجه، وغير دعائي، ومن دون فهم تاريخي للعلاقات الروسية- العربية من خارج إطار السياسات المهيمنة، لا يمكن لأي موقف منا إلا أن يكون مجتزءًا، كما بدونه أيضًا لن نتمكن من فهم مجتمعاتنا التي شرحها المستشرقون الروس بشكل مختلف عن المستشرقين الغربيين، بشكل أفضل. بحاجة لتكامل حضاري عبر ترجمة أعمال لا تزال في الأدراج 
 
شكرا عماد الدين رائف على إثارتك هذا الجانب الإنساني والأدبي والتاريخي الغني للعلاقات مع روسيا.. كتاب ممتع ونمط جديد بمقاربات نفتقدها.

د. جمال القرى

Comments