جنكيز أيتماتوف حيٌّ بعد عقد من رحيله

يعود طيف الكاتب العالمي جنكيز أيتماتوف في كانون الأول/ ديسمبر من كل سنة ليظلل جبال قرغيزستان الأبدية وسهولها، حيث يُحتفل بالذكرى التسعين على ولادته في العام الحالي، بعد عشر سنوات على رحيله عن دنيانا، وذلك ما دعا "مجموعة الرؤية الاستراتيجية – روسيا والعالم الإسلامي" إلى جمع عدد كبير من الباحثين والمؤلفين والمترجمين في موسكو لإحياء الذكرى ض
من فعاليات "المنتدى العالمي الثاني للكتّاب والمثقفين – قراءات أيتماتوف لحوار الثقافات" بمشاركة منسقها العام السفير فينيامين بوبوف، بعدما كانت النسخة الأولى من المنتدى قد نظّمت في العاصمة القرغيزية بشكيك في العام الماضي. 

جنكيز أيتماتوف أشهر كتّاب آسيا الوسطى نقل أدب بلاده إلى العالم، حيث ترجمت أعماله إلى معظم اللغات الحيّة، عبر نافذة اللغة الروسيّة وآلة النشر السوفياتية العملاقة التي وزّعت في بقاع الأرض نحو مئة ألف نسخة من كتبه.
أهم قصص وروايات أيتماتوف "جميلة"، "المعلم الأول"، "وداعًا يا غولساري"، "طريق الحصاد"، "النطع"، "السفينة البيضاء"، "الغرانيق المبكرة"، "شجيرتي في منديل أحمر"، "الكلب الأبلق عند حافة البحر"، "عندما تتداعى الجبال"، "العروس الخالدة"، "نمر الثلج"، "ويطول اليوم أكثر من قرن"، وله العديد من المقابلات التي تضيء على جوانب السلم العالمي والحوار والقضايا البيئية. كشف أدب أيتماتوف في قصصه ورواياته، عن الروح البطولية للإنسان في أوقات الخطر والتوتر في حدوده القصوى، في الأمل والحب بلغة بسيطة عفوية التعابير تختزن نظرة الكاتب وفلسفته إلى الكون ومشاكله بوصفه وحدة إنسانيّة غير قابلة للتجزئة.

لغة الأمل

حاولتُ في بشكيك أن أتلمس أهميّة أدب أيتماتوف بالنسبة إلى القارئ العربي المعاصر، على الرغم من توقف آلة النشر السوفياتية منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، وإثر العودة نشرت كتيّب "على أعتاب ماناس برفقة جنكيز أيتماتوف"، حيث سلكت المقالات طريقين، الأول من الماضي المؤسس للقيم إلى الحاضر الذي جسّده أدب أيتماتوف وفكره، والطريق الثاني من الحاضر إلى الماضي لما في الحاضر من أدوات تساعد على فهم الماضي فهمًا كونيًا متعدد الثقافات مبنياً على فكر أيتماتوف الإنساني. وتمحور البحث حول إمكانيّة الإفادة من آداب أوراسيا الوافدة إلى القارئ العربي عبر بوابة اللغة الروسيّة، وخاصة في فنّي القصة والرواية.

وهذه الإفادة تكمن في تلمّس مسار الكتابة من الماضي (الحكاية أو الأسطورة)، بلغة اليوم ومعضلاته استشرافاً للمستقبل. والنماذج التي يمكن أن تتفاعل معها هذه الإشكالية كثيرة، قد تطال أعمال عشرات من الكتّاب الكبار الذين لمعت أسماؤهم في فضاء الأدب السوفياتي أولًا، قبل أن تنطلق إلى العالميّة عبر ترجمة تلك الأعمال من اللغة الروسيّة.

وبالتوازي نلحظ أن نتاج العقدين الأخيرين لدى القاص والراوي العربي قد بدأ ينسلخ عن الماضي نسبياً، ليعالج المعضلات المجتمعية المتكاثرة بلغة وافدة من الغرب مستخدماً أدواته. ونحن إذ نتصدى لمقاربة هذه الإشكالية بأمثلة حيّة، نسعى من وراء ذلك إلى إثبات إمكانية معالجة آثار العنف بواسطة الكلمة. 
ويصبّ نتاج أيتماتوف، في صالح تقريب الفكرة، لكون معظم أعماله قد وصلت إلى القارئ العربي مترجمة بلغة سلسة تُفهم تعابيرها المجازيّة وصورها الشعريّة، واستثمرت عناصر الخير في الماضي لتعالج معضلات الآني وتستشرف المستقبل، أي أنّها ببساطة وإلى حدّ ما قد تؤدي إلى معالجة الرواسب الحادّة لمعضلات الحاضر، وتخاطب القارئ بلغة الأمل مهما كان الواقع قاسياً.

ذلك مع العلم أن الأدب الواقعي العربي، وكذلك آداب الشعوب التي لديها تاريخ مشترك مع الشعوب العربيّة، يمكن للمشترك بينها أن يتضمّن فرصة تخوّلنا الإطلالة على العالم بشكل آخر، يراعي بدقّة مضامين الخير في ماضينا ويمكّننا من استخدام لغة أصيلة لمعالجة معضلات اليوم، لغة تضخّ الأمل على الرغم من الصعاب الجمّة التي يبتلي بها الإنسان العربي في الزمن الحاضر.

تسعون عاماً

جمعت القاعة الكبرى في فندق "الرئيس" في قلب موسكو عشرات الباحثين والأدباء والمثقفين من مختلف أنحاء العالم مستحضرين معهم أهم ما تركه إرث جنكيز أيتماتوف من أثر في قلوب القراء في بلادهم، وخارج القاعة عرضت لوحات مستوحاة من أدب أيتماتوف للفنان الأذربيجاني أشرف غيتباتوف.

وكان المشاركون في المنتدى قد وضعوا باقات من الزهور تحت تمثال نصفي لجنكيز أيتماتوف في باحة مكتبة الآداب الأجنبية في موسكو، واستمعوا إلى كلمة للسفير بوبوف من وحي الاحتفالية المستمرة بالذكرى التسعين على ولادة الكاتب.

ولعل التوصية الأكثر أهمية للقارئ العربي هي نقل أعمال المنتدى في دورته التالية إلى العالم العربي، وإعادة طبع القصص والروايات بحيث تغدو في متناول الجميع، بالإضافة على إمكانية بث الأفلام الوثائقية التلفزيونية حول حياة الكاتب وأعماله مترجمة على اللغة العربية عبر الفضائيات العربية.

عماد الدين رائف - المصدر "فضائية الميادين" - انقر هنا

Comments