طلائع النهضة في فلسطين

حنا أبو حنا، شاعر وباحث ومربّ فلسطيني، تناول في كتابه "طلائع النهضة في فلسطين – خريجو المدارس الروسية 1862 – 1914، الأثر الكبير الذي تركته هذه المدارس في البشر وفي نقل المستوى الثقافي في فلسطين وسوريا ولبنان من حال إلى حال، نتيجة نصف قرن من التعليم الذي استهدف الفئات الفقيرة والمتوسطة الحال في تلك البلاد. 
أدرجت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" الكتاب في سياق الاهتمام المتزايد بدراسة مختلف جوانب التاريخ العربي الفلسطيني، بما في ذلك الحياة الثقافية التي انبعثت منذ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولا يخفى أن الساحة الفلسطينية كانت تحظى بجزء مهم من اهتمام الدول الكبرى وإرسالياتها التبشيرية والتعليمية، فلم يستطع الباحث ان يحصر بحثه في الأثر الروسي الأرثوذكسي بل درس العوامل الأخرى المتداخلة وعمل الإرساليات الأخرى، مع التركيز على الجهد الروسي حيث زاد عدد المدارس المنشأة في بلاد الشام عن مئة مدرسة. وكان لخريجي هذه المعاهد دور مهم في مسيرة النهضة الثقافية، وقد عقدت لهم الريادة في فلسطين مع انطلاقة النهضة بعد إعلان الدستور العثماني سنة 1908. فبرز من بين خرجي هذه المدارس ميخائيل نعيمه وإيليا أبو ماضي ونسيب عريضة وعبد المسيح حداد وخليل بيدس وإسكندر الخوري البيتجالي وسليم قبعين وشبلي رزق، وغيرهم، إلى جانب نساء رائدات في التربية والتعليم ومنهن حلوة سليمان مكركر وهيلانة ابو رمان، وحنة سابا، وكاترينا عوض. وقد عمل خريجو هذه المدارس في مختلف ميادين النهضة الأدبية، كالصحافة وإنشاء المطبوعات الدورية وغير الدورية، والترجمة من اللغات الحية إلى العربية، والإنتاج القصصي والروائي والمسرحي، وفتح أبواب النقاش الأدبي والنقدي وتنظيم الندوات واللقاءات والملتقيات. وقد تلمّس أبو حنّا مساهماتهم، وتبين أثرها في الحياة الثقافية في فلسطين والتفاعل بين طلائع النهضة الأدبية والثقافية في فلسطين وبين النهضة الأدبية العربية العامة، التي ظهرت بوادرها منذ أواسط القرن التاسع عشر في لبنان ومصر.
في الواقع، لم يكن الباحث بعيدًا عن هذا التأثير، فقد ولد في الرينة (قضاء الناصرة) سنة 1928، وعمل مديرًا للكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا، ومحاضراً في جامعة حيفا وكلية إعداد المعلمين. له مجموعات شعرية وكثير من الأبحاث في التراث الثقافي الفلسطيني وسلسلة من قصص الأطفال. ذلك ولا زالت الأجيال في الناصرة وبيت جالا حيث دار المعلمات تذكر تأثير التعليم الروسي والمقلة النوعية التي أحدثها في حياة السكان. وذلك أنّ المدارس الـ 114 المنتشرة على مساحة كبيرة من الأراضي خرّجت نحو 15 ألف تلميذ، أما المتفوقات والمتفوقون منهم فكان مصيرهم أن تابعوا دراستهم في فلسطين، حيث أنشأت "الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية" دارين للتعليم العالي، ومن انتدبته لمتابعة تحصيله العلمي كان ينطلق من فلسطين على روسيا القيصرية حيث الأكاديميات الروحية. 


Comments