الشباب السوري وتفاعله مع الحرب على لبنان

حيث أعلام "حزب الله" وصور "السيد" أكثر من الضاحية الجنوبية
شباب الساحل السوري وتفاعله مع الحرب على لبنان
إيلاف - شباب الخميس 12 أكتوبر
عماد الدين رائف
لا يخلو فان أو سيارة من صورة للسيد حسن نصر الله أوعلم أصفر اللون يزينه شعار "حزب الله"، إنه
الساحل السوري الممتد من الحدود اللبنانية السورية حتى الحدود التركية، وليس ضاحية بيروت الجنوبية أو جنوب لبنان أو بقاعه. لشخصية السيد حسن نصر الله قداسة ترتبط بمودة يكنها الشباب السوري لهذا الشاب الملتحي ذي العمامة السوداء. قداسة تشبه تقديسهم للأبطال الشعبيين الذين يجترحون المعجزات ويقودون السفن في خضم العواصف إلى بر الأمان في كل مرة؛ ومودة معينها لا ينضب، فقد تابعوا كل خطاباته التي أتتهم أثناء فترة العدوان الإسرائيلي لتثلج صدورهم مع كل كلمة يتلفظ بها.
لكل الشرفاء العرب
تقودنا الطريق من صلنفة إلى الحفة باتجاه مدينة اللاذقية، عروس الشاطئ السوري. يسير الفان، المزين بصورة السيد إلى جانب صورة بشار الأسد بسرعة معتدلة على أنغام موسيقى لا تشبه موسيقى أناشيد حزب الله أو اللطميات التي تنتشر في الضاحية. أحمد (22 سنة)، يحدثنا عن أيام العدوان وكيف كان ينقل الناس من الحدود اللبنانية السورية عند نقطة الدبوسية، يقول: "كانت السيارات كلها جاهزة لنقل النازحين إلى أي نقطة يريدونها على الأراضي السورية، عملت الفانات والميكروباصات ليل نهار وامتلأت مساكن الطلاب في الجامعة بوفود النازحين، وكذلك تم إسكان آخرين في أحياء كاملة من المشاريع الجديدة في المدينة".
أحمد، كثير التبسم، لم يكن يهمه إلا أن يسلم المقاومون وتنتصر المقاومة لأنه "انتصار لكل الناس الشرفاء العرب". سامر (29 عاماً) الذي قرأ كثيراً، كما يقول، عن "الانقسام العمودي للبنانيين وتفاعلهم مع انتصار المقاومة على إسرائيل"، يؤكد أن الطائفية لم تعد تلعب الدور الأساسي في تحريك اللبنانيين "إنما الانقسام السياسي الحاد تجاه المشروع الأميركي في المنطقة، فنصف اللبنانيين يسيرون في ركب الأميركان ويتبعون وصفة كونديليزا رايس لطبخة شرق أوسط جديد، ونصفهم الآخر يعادون المشروع الأميركي ويتمنون الاستشهاد على السير في ركب أميركا وإسرائيل، وذلك بغض النظر عن الطائفة أو المنطقة".
النصف المسيحي
يصل الفان إلى موقفه، انتقل سيراً إلى ساحة الشيخ ضاهر، ثم إلى المقهى الملاصق لجامع العجان حيث يكثر الباعة من خلف بسطاتهم يستوقفون مشترين محتملين بعد غياب شمس رمضان، تعلو أصوات مصلّي التراويح من المسجد، توزع النراجيل على الجالسين إلى كراس بلاستيكية في الخارج.
رامي (27 سنة)، لا يأبه بالخسائر المادية التي نتجت عن العدوان، فقد اعتاد العرب على الخسائر، ويقتبس من كلام السيد: "لقد ولّى زمن الهزائم إلى غير رجعة، وبدأ زمن الانتصارات"، يبتسم لحفظه عن ظهر قلب لكلمات السيد، كذلك سهى (25 عاماً)، تصف تلك اللحظات التي انتظرتها مع رفيقاتها أمام الشاشة الصغيرة ليظهر السيد لأول مرة بعد العدوان مؤكداً على "الفشل الذريع الذي منيت به الآلة الحربية الإسرائيلية في القضاء على قيادات حزب الله ومقاوميه، وذلك بعد التدمير المنهجي للمناطق السكنية في ضاحية بيروت الجنوبية وجنوبي الليطاني". ثم تصف لحظات مثيرة أخرى، ترافقها رفيقتها نهى، تضيف: "كانت قمة الإثارة عندما أعلن السيد عن تدمير البارجة الصهيونية قبالة سواحل بيروت، صرخنا كلنا في البيت: الله أكبر، مع أن نصفنا مسيحيين". لا يوجد داع أن تعرف إن كان الشاب أمامك مسيحياً أم مسلماً في اللاذقية، كلهم متشابهون، صوتهم واحد، لهجتهم عربية صرفة. تجد صورة السيد في محل للثياب إلى جانب أيقونة للسيدة العذراء، أو صلاة "أبانا الذي...".
معالم الطريق
"سوق الصَفَن" كما تلفظ كلمة "سُفُن" هناك، لا يوجد فيه أي صانع للسفن، بل عائلات كثيرة خرجت للتبضع وشراء ثياب العيد للأطفال، تتوقف سارة أمام محل للإلكترونيات، تضبط غطاء الرأس مرة بعد أخرى، ثم تبتسم ابتسامة حذرة عند سؤالها عن سنها، فلا ينبغي أن نسأل الفتاة هذا السؤال، تقول: "أبو هادي صار رمزاً للنضال على مستوى الشارع العربي كله، ليس فقط في سوريا" تتحدث عن رحلتها إلى مصر وتفاعل الشارع هناك مع "السيد أبو الشهيد، الذي لم يخلف يوماً في وعوده، لكنه آسف أن كثيرين من اللبنانيين لا يعرفون قيمة السيد".صورة السيد المبتسم تعلو رأس بائع عصير قصب السكر، مع أن هذا النوع من العصير كان قد نفد قبل ساعة من الزمن، "الله جبر". البسطات والأكشاك الصغيرة التي ازدحمت عليها الألعاب والثياب، علاها العلم الأصفر وسواد عمامة السيد.
سيارات التاكسي الصفراء الصغيرة ألصق على زجاجها الأمامي رسم نايلوني أسمر يجمع بين السيد والدكتور، يمكن للسائق أن يرى من خلالهما الطريق. تصل إلى ساحة أوغاريت حيث يمكنك أن تبتاع علماً أصفر أو صوراً من كافة الأحجام للسيد، لكن أكثرها يبدو فيها متبسماً، كابتسامة طفل يقف وراء بسطة عليها الصور، يستغرب بشدة حين أساله: "من هذا؟". يجيب: "شو باك شي؟ ما بتعرف السيد حسن؟!".
على المراكب
من قلب المدينة إلى "الشاطئ الأزرق"، الشاطئ السياحي الأكثر شهرة على الساحل السوري الذي لم تلوثه البارجات الإسرائيلية. مياه الشاطئ نظيفة وبحر اللاذقية يغري القادمين من شواطئ بيروت الملوثة بالزيت والبترول الناتج عن العدوان. على امتداد الشاطئ تتوقف زوارق صغيرة تتسع لركاب يريدون جولة بحرية سياحية. بعض أصحاب الزوارق زين صواري المركب بأكثر من علم أصفر للمقاومة. يقول علي (31 عاماً): "السيد ليس للبنانيين فقط، إنه لكل حر وشريف في العالم العربي، بل في العالم كله، ألم تر ماذا فعل شافيز، وهو رئيس دولة تقع في الجانب الآخر من العالم؟ كلنا نحب المقاومة". يعلو صوت نانسي عجرم من المركب الذي لم ينطلق إلى البحر برحلة واحدة اليوم، فقد انتهى الموسم السياحي الممتد من أوائل حزيران/ يونيو غلى أواخر آب/ أغسطس، وبدأ موسم المدارس، وبالتالي خف قدوم السواح لارتياد هذا الشاطئ الجميل.
يحاول سعيد أن يستغل وجود "سائحين" متأخرين في الشاليهات الصغيرة الممتدة على مدى الشاطئ، لديه بعض الكراسي البلاستيكية الملونة ودراجات مائية تعمل بواسطة الدفع بالقدمين. يدعو المتناثرين على الشاطئ ليحظوا بسمرة و"برونزاج" تمنحه شمس تشرين الخجولة، يدعوهم إلى نزهة بحرية سريعة قد تدر عليه بعض مئات الليرات. يقول: "حل النازحون اللبنانيون علينا ضيوفاً أعزاء في اللاذقية وفي كل المحافظات السورية، وكنا نتقاسم وإياهم بيوتنا، ونحن نتمنى أن نقاتل إلى جانب أبنائهم وأخوتهم المقاومين، إنه لشرف عظيم أن نساعد أهالي هؤلاء الأبطال الذين يبذلون دماءهم من أجلنا كلنا ومن أجل كل عربي".
في الصباح الباكر يتعاون علي وزملائه على سحب الشباك لصيد السمك. يختلط صوت ملحم بركات بصوت عبد الباسط عبد الصمد وهو يرتل قصار السور، فيما ترفرف فوق الصيادين أعلام حزب الله، "المقاومة التي أذلت الصهاينة ومرغت جبينهم بالتراب لأول مرة في تاريخ العرب".
ingowaee@hotmail.com

Comments