صديقي وولدي!
صباح اليوم، سأتوجه للمرة الحادية والعشرين إلى وزارة التربية لإتمام معاملة تخصّك. وأجدني مضطراً لأن أشرح لك، وليس لأحد غيرك، لماذا لم تنته المعاملة.. أن أقدم «عرضحال عُصمللي» عن فنون المرمطة.
كان من المفترض أن أحصل صباح غد على إفادة تسمح لك «بمتابعة الدراسة حسب المنهج الأجنبي»، ممهورة بختم وتوقيع «لجنة المعادلات» في وزارة التربية. فبعد جولات طويلة راكضاً بين العمل والإدارات، أمّنت كل الأوراق المطلوبة مختومة مصدّقة مع طوابعها المالية. وسجّلت المعاملة في السابع من تشرين الأول الجاري.. ولدي إشعار بذلك مختوم من «أمانة سر لجنة المعادلات»، لكن اتصالاً وردني من موظف في الوزارة قبيل انتهاء دوام الجمعة الماضي، فحواه أن معاملتك رفضت! أوراقها تامّة، وسُجّلت ثم رُفضت! توجهت إلى الوزارة فإذا بأبوابها مقفلة.. فبحمد الله، موظفوها يواظبون على أداء صلاة الجمعة.
هو حقك يا صديقي. وهذا الحق ليس منّة من أحد، حقك لأنك اصطدمت بمناهج دراسية وُلدت قبل ولادتك بسنوات.. وطرائق تعليمية تلقينية للغة العربية عفّى عليها الزمن. وافقتك الرأي في إعفائك من تلك اللغة، فالقانون يسمح بذلك كونك تحمل جنسية أجنبية. وذلك بموجب المرسوم التنظيمي الرقم 9355 تاريخ 28/4/1962، والقرار 236 تاريخ 11 نيسان 1995، والقانون 29/73 تاريخ 17 كانون الأول 1973 وتعديلاته، والقانون 6/99 تاريخ 20 شباط 1999، والقرار المبدئي الرقم 1 على جلسة 4 تاريخ 7 شباط 2000.
سألت الموظف: ما السبب في رفض المعاملة؟ «تأخرت». ما العمل؟ «لا أعرف». من يعرف!
فعلاً تأخرت. أقرُّ بأنني أتممت جميع الأوراق لمرتين وتوجهت إلى ذلك الباب، وقال لي موظف إنها فترة امتحانات «تعا بعدين». وفي ثلاث مرات أخرى اخترقت اعتصاماً أمام باب التربية يطالب بسلسلة الرواتب، ووصلت في إحداها إلى الباب نفسه.. فلم أجد الموظفين. مرة أخرى «تعا بعدين». ثم رُفضت المعاملة لأنها لم تتضمن سنتك الدراسية الأخيرة، مرة سادسة «تعا بعدين». ما الذي تعنيه كلمة «بعدين»؟
تعني يا صديقي، أنك رُفعت رسمياً بموجب إفادة رسمية من صف إلى آخر، والإفادة مُصدّقة. وسُجِّلتَ بموجبها في المدرسة. وعليّ لإتمام الأوراق من جديد أن أحصل على إفادة جديدة وأصدقها. وهكذا فعلت كلما قيل لي «تعا بعدين».
لكن الـ«بعدين» الأخيرة لم تكن كسابقاتها. فمع انتقالك من مدرسة إلى أخرى في الجنوب، رفض الموظف في صيدا أن يصدّق الإفادة. ثلاث مرات من الأونيسكو إلى صيدا ومن صيدا إلى الأونيسكو. هنا يقولون «خليه يحط عليها: وارد غير مبرر»، وهو بالفعل كذلك. وهناك يرفض. وفي المرة الأخيرة استطعت أن أصل إلى موظف صيدا.
أعطيته الإفادة نظر إليّ وكأنني مذنب مخالف للقانون، كأني مرتكب إحدى الكبائر.. «أكيد فيها شي مش هيك». كيف مش هيك؟ يبدو أنه اجتمع مع نفسه للحظة وكان القاضي والجلاد في آن. لم يجب. نرفز. أوعز إلى موظفة قربه أن تسحب لوائح مدرستك. أن تضع إشارة قرب اسمك. زادت نرفزته لسبب لا أعرفه. ختم الورقة فوق عبارة كتبها «غير صالحة للتبرير». سألته ما معنى تلك العبارة.. أعطى الإفادة إلى آخر صار ينادي على اسمك وكأنني غير موجود. صرخ ثالث «سكّرلي ها الباب. ما بدي شوف حدا هون».
إهانة؟ نعم. لكنني تحمّلتُ ذلك كرمى لك يا صديقي. كرمى لجلساتنا ونحن نحلم بوطن يحترم إنسانه.. تكون فيه الوزارات للمواطنين لا المواطنون للوزارات.
وما زالت تتردد تلك العبارة في ذهني.. وأسال لماذا؟ هل تعتبرك وزارة التربية «غير صالح للتبرير»؟ كم من مواطن مثلي يرفض الواسطات ويطالب بحق صغير.. يتم التقاذف به بين الإدارات مرات ومرات على حساب صحته وأعصابه.. ولا يصل صوته؟ من يمكنه أن يعوضني عن ضياع الوقت والجهد والشمشطة، إن كان كومبيوتر وزارة التربية لا يمكنه أن يحصل على سجلّك كاملاً بمجرد البحث عن اسمك؟ من يعرف؟
سأتوجه إلى باب أمانة سر المعادلات في الوزارة من جديد. سأشتري الطوابع المالية المطلوبة. وإن رفض منحي المعادلة ناجزة، ونسخة عنها كما في الإشعار.. فسأسأله عن معنى «بعدين»، و«غير صالح للتبرير».. سأعلمك بصراحة إن كان وطنك ووطن أبيك يراك «غير صالح للتبرير» لأن موظفاً يراك كذلك، ندفع راتبه من ضرائب لا تعود علينا بشيء.
ربما سأعتذر إليك عن حلم وطن حدثتك عنه.. خليك ع السمع.
عماد الدين رائف
صباح اليوم، سأتوجه للمرة الحادية والعشرين إلى وزارة التربية لإتمام معاملة تخصّك. وأجدني مضطراً لأن أشرح لك، وليس لأحد غيرك، لماذا لم تنته المعاملة.. أن أقدم «عرضحال عُصمللي» عن فنون المرمطة.
كان من المفترض أن أحصل صباح غد على إفادة تسمح لك «بمتابعة الدراسة حسب المنهج الأجنبي»، ممهورة بختم وتوقيع «لجنة المعادلات» في وزارة التربية. فبعد جولات طويلة راكضاً بين العمل والإدارات، أمّنت كل الأوراق المطلوبة مختومة مصدّقة مع طوابعها المالية. وسجّلت المعاملة في السابع من تشرين الأول الجاري.. ولدي إشعار بذلك مختوم من «أمانة سر لجنة المعادلات»، لكن اتصالاً وردني من موظف في الوزارة قبيل انتهاء دوام الجمعة الماضي، فحواه أن معاملتك رفضت! أوراقها تامّة، وسُجّلت ثم رُفضت! توجهت إلى الوزارة فإذا بأبوابها مقفلة.. فبحمد الله، موظفوها يواظبون على أداء صلاة الجمعة.
هو حقك يا صديقي. وهذا الحق ليس منّة من أحد، حقك لأنك اصطدمت بمناهج دراسية وُلدت قبل ولادتك بسنوات.. وطرائق تعليمية تلقينية للغة العربية عفّى عليها الزمن. وافقتك الرأي في إعفائك من تلك اللغة، فالقانون يسمح بذلك كونك تحمل جنسية أجنبية. وذلك بموجب المرسوم التنظيمي الرقم 9355 تاريخ 28/4/1962، والقرار 236 تاريخ 11 نيسان 1995، والقانون 29/73 تاريخ 17 كانون الأول 1973 وتعديلاته، والقانون 6/99 تاريخ 20 شباط 1999، والقرار المبدئي الرقم 1 على جلسة 4 تاريخ 7 شباط 2000.
سألت الموظف: ما السبب في رفض المعاملة؟ «تأخرت». ما العمل؟ «لا أعرف». من يعرف!
فعلاً تأخرت. أقرُّ بأنني أتممت جميع الأوراق لمرتين وتوجهت إلى ذلك الباب، وقال لي موظف إنها فترة امتحانات «تعا بعدين». وفي ثلاث مرات أخرى اخترقت اعتصاماً أمام باب التربية يطالب بسلسلة الرواتب، ووصلت في إحداها إلى الباب نفسه.. فلم أجد الموظفين. مرة أخرى «تعا بعدين». ثم رُفضت المعاملة لأنها لم تتضمن سنتك الدراسية الأخيرة، مرة سادسة «تعا بعدين». ما الذي تعنيه كلمة «بعدين»؟
تعني يا صديقي، أنك رُفعت رسمياً بموجب إفادة رسمية من صف إلى آخر، والإفادة مُصدّقة. وسُجِّلتَ بموجبها في المدرسة. وعليّ لإتمام الأوراق من جديد أن أحصل على إفادة جديدة وأصدقها. وهكذا فعلت كلما قيل لي «تعا بعدين».
لكن الـ«بعدين» الأخيرة لم تكن كسابقاتها. فمع انتقالك من مدرسة إلى أخرى في الجنوب، رفض الموظف في صيدا أن يصدّق الإفادة. ثلاث مرات من الأونيسكو إلى صيدا ومن صيدا إلى الأونيسكو. هنا يقولون «خليه يحط عليها: وارد غير مبرر»، وهو بالفعل كذلك. وهناك يرفض. وفي المرة الأخيرة استطعت أن أصل إلى موظف صيدا.
أعطيته الإفادة نظر إليّ وكأنني مذنب مخالف للقانون، كأني مرتكب إحدى الكبائر.. «أكيد فيها شي مش هيك». كيف مش هيك؟ يبدو أنه اجتمع مع نفسه للحظة وكان القاضي والجلاد في آن. لم يجب. نرفز. أوعز إلى موظفة قربه أن تسحب لوائح مدرستك. أن تضع إشارة قرب اسمك. زادت نرفزته لسبب لا أعرفه. ختم الورقة فوق عبارة كتبها «غير صالحة للتبرير». سألته ما معنى تلك العبارة.. أعطى الإفادة إلى آخر صار ينادي على اسمك وكأنني غير موجود. صرخ ثالث «سكّرلي ها الباب. ما بدي شوف حدا هون».
إهانة؟ نعم. لكنني تحمّلتُ ذلك كرمى لك يا صديقي. كرمى لجلساتنا ونحن نحلم بوطن يحترم إنسانه.. تكون فيه الوزارات للمواطنين لا المواطنون للوزارات.
وما زالت تتردد تلك العبارة في ذهني.. وأسال لماذا؟ هل تعتبرك وزارة التربية «غير صالح للتبرير»؟ كم من مواطن مثلي يرفض الواسطات ويطالب بحق صغير.. يتم التقاذف به بين الإدارات مرات ومرات على حساب صحته وأعصابه.. ولا يصل صوته؟ من يمكنه أن يعوضني عن ضياع الوقت والجهد والشمشطة، إن كان كومبيوتر وزارة التربية لا يمكنه أن يحصل على سجلّك كاملاً بمجرد البحث عن اسمك؟ من يعرف؟
سأتوجه إلى باب أمانة سر المعادلات في الوزارة من جديد. سأشتري الطوابع المالية المطلوبة. وإن رفض منحي المعادلة ناجزة، ونسخة عنها كما في الإشعار.. فسأسأله عن معنى «بعدين»، و«غير صالح للتبرير».. سأعلمك بصراحة إن كان وطنك ووطن أبيك يراك «غير صالح للتبرير» لأن موظفاً يراك كذلك، ندفع راتبه من ضرائب لا تعود علينا بشيء.
ربما سأعتذر إليك عن حلم وطن حدثتك عنه.. خليك ع السمع.
عماد الدين رائف
Comments
Post a Comment