مقابلة مع صحيفة الإعمار والاقتصاد

يمثلون 10 % من السكان ..و 83% منهم يعانون البطالة
المـعـوّقـون يعترضـون على خـطة وزارة الشـؤون الاجـتماعية لـ “بـاريس 3”:
التعاطي ينحصر بالنموذج الطبي-الخيري والتعميمات غير القابلة للتحقيق


صحيفة الإعمار والاقتصاد العدد 176 بتاريخ 25 مايو 2007 / الصحافي الأستاذ أيوب خداج


اعطاء برنامج العمل لتعزيز الحماية الاجتماعية الاولوية للصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم والتنمية المحلية من دون آلية واقعية لتحقيق ذلك دفع المعنيين بملف ذوي الاحتياجات الخاصة الى ابداء اعتراضهم على الخطة المقدمة الى باريس3 من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية. فبرأيهم هذه الخطة مازالت تنظر الى فئة الاشخاص المعوقين, والتي تلامس 10% من تعداد السكان اللبنانيين, من خلال النموذج الطبي-الخيري.
عماد الدين رائف, مدير تحرير مجلة واو التي تصدر عن اتحاد المقعدين اللبنانيين, علق على الخطة بالقول, لقد حاولت وزارة الشؤون صياغة عدد من الأهداف المنوي تحقيقها “بمعجزة ما” من خلال مؤتمر باريس3 عبر ما غدا يعرف بالورقة الاصلاحية. مهدت لها الوزيرة المعنية عند تصديرها للورقة بعيداًً عن الشأن الاجتماعي, ثم عقد اجتماعاً مع جمعيات المجتمع المدني في السراي الحكومي, بهدف اقناعه بجدوى تلك الورقة وأهدافها, فالورقة المسماة بـ “برنامج العمل لتعزيز الحماية الاجتماعية” تبدو كتعميمات غير قابلة للتطبيق في ظل الاستهداف المباشر من قبل السياسات الحكومية منذ إقرار اتفاق الطائف حتى اليوم تجاه الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً في لبنان. تحدثت “الورقة” عن اهداف ثلاثة للبرنامج, وهي: تقليص الفقر وتحسين المؤشرات الصحية والتعليمية, تحسين فعالية الإنفاق على الشأن الاجتماعي, تقليص التفاوت المناطقي. وقد أقرت ان شبكات الامان الاجتماعي القائمة حالياً, إن كانت قائمة, فهي ضعيفة, وإن المؤشرات الاجتماعية للبنان لا تتلاءم ومستوى الإنفاق على الشأن الاجتماعي, وشددت على ان يصاحب اي إصلاح اقتصادي إصلاح على المستوى الاجتماعي أيضاً. لكنها تركت مسألة إصلاح السياسات الاجتماعية إلى مرحلة لاحقة, بعيدة, وركزت على ما سمته “إعطاء الأولوية للصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم والتنمية المحلية”, من دون أي آلية واقعية لتحقيق ذلك, عاملة على ذر الرماد في العيون, وكأن الحاجات الاجتماعية الملحة مجرد ترنيمة تلجأ الى تردادها كلما دعت الحاجة الى تجييش واصطفاف سياسي. وهكذا تتحول هذه الفئات الاكثر فقراً وتهميشاً الى ارقام تستدر عطف أصحاب الهبات والمساعدات الدولية, لتتبخر اموالهم من جديد في سباق المراهنات السياسية وتهمل القضايا الملحة, كالأمومة, الطفل, البيئة, الضمان الاجتماعي الإعاقة وغيرها... لتوضع على الرف مجدداً بانتظار مؤتمر آخر.


مدخل الى النمو
رائف قال, تبلغ نسبة العاطلين عن العمل من الاشخاص المعوقين في لبنان 83% حسب دراسة أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية, وهذا يعني انهم يساهمون ببطء النمو االاقتصادي بنسبة ملياري دولار. يزيد عدم توظيفهم من أعباء الكلفة الاقتصادية ويؤثر سلباً على النمو الاقتصادي. بينما لو ينخرط الاشخاص المعوقون في سوق العمل فإنهم يرفعون نسبة النمو, ويساهمون بالتالي في خلق فرص عمل لغيرهم. فكلفة الإنتاج التي يقوم بها الشخص المعوق تتمتع بقيمة مضافة مرتفعة. ذلك ان توظيف شخص معوق في قطاعات مختلفة, على سبيل المثال في الدراسات او برمجة الكمبيوتر أو إنتاج الذهب غير مكلف أبداً بينما المادة الإنتاجية التي يقدمها تعود بأرباح كبيرة. يبلغ عدد الأشخاص المعوقين في لبنان 400 ألفاً حسب تقدير منظمة الصحة العالمية, ويجب أن تتوازى نسبة المعوقين العاملين مع نسبتهم في المجتمع. ففي لبنان مليون ومئتا عامل ويشكل الناتج المحلي 20 مليار دولار, وبالتالي فإن دمج الأشخاص المعوقين في سوق العمل يزيد الناتج المحلي بنسبة الثلث لكي يصبح 27 ملياراً. إن 35% من المجتمع اللبناني منتج, 210 الاف منهم في القطاع الخاص والباقي في القطاع العام. ومن اجل تحقيق ناتج محلي اكثر عدالة, والناتج المحلي هو مجموع الرواتب والاجور والفوائد والارباح والميزان التجاري والتحويلات من الخارج. يجب أن تتوازى نسبة الاشخاص المعوقين العاملين في المجتمع مع نسبتهم في المجتمع. بما ان 1 من كل أربعة أشخاص من المجتمع اللبناني يعملون يجب ان يكون 1 من كل أربعة من المعوقين يعملون. فكيف ينعكس ذلك على الناتج المحلي؟ إذا حققنا هذه النسبة يصبح الناتج المحلي أكثر عدالة وبالتالي ينمى الاقتصاد من خلال زيادة فرص العمل وبالتالي ارتفاع مستوى الإنتاج. تزيد إيرادات الدولة وتزيد مداخيل المؤسسات وبالتالي تزيد نسبة احتساب الناتج المحلي. وإذا ارتفعت نسبة الناتج المحلي ترتفع معها حصة الفرد, كل فرد, في المجتمع اللبناني.


فتح آفاق العمل
رائف اشار الى ان مؤشرات الدراسة المقارنة لأحوال المعيشة في لبنان تبين ضرورة التدخل لمساعدة فئات معينة وضرورة إعطاء مكافحة الفقر ببعده الاقتصادي الأولوية اذ ان المؤشر الوحيد الذي تراجع في الدراسة المقارنة عام 2004 كان الفقر الاقتصادي, المتمثل في انخفاض الدخل مقارنة بتكلفة الحياة وعدم توافر فرص العمل الكافية, وهو لا يزال الوجه الاهم للفقر والحرمان في لبنان. فالترابط بين النمو الاقتصادي وبين مكافحة الفقر, عبر العمل المنتج, هو احد المحاور الاهم التي يجب ان تُعطى اولوية في الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. بالنسبة للأشخاص المعوقين في لبنان, وهم من الفئات الاكثر فقراً وتهميشاً, فإن عدم تطبيق القانون الذي يحولهم من مستهلكين الى منتجين مشاركين في القوى العاملة في لبنان.
وقال رائف ان مشروع “فتح أفاق فرص العمل امام الاشخاص المعوقين في لبنان”, قد حظي باهتمام بالغ من قبل المشاركين في مؤتمرات العمل الإقليمية, ومنظمة العمل الدولية خاصة, كونه يجسد المفهوم العالمي للدمج, ذلك المفهوم الذي يحول البنود المنصوص عليها في التشريعات والاتفاقيات الى شكل قابل للاستمرار على ارض الواقع. فالتجربة النموذجية في لبنان لدمج الاشخاص المعوقين في مجال العمل (التنوع في مكان العمل), ورفع مستوى معيشتهم ومعيشة اسرهم, تنمية قدراتهم, تحرير طاقاتهم, وفسح المجال امامهم للتوظيف وإثبات هذه القدرات, توفير معلومات ودراسات في مجال الإعاقة, تغيير المفاهيم الخاطئة عن عمل الاشخاص المعوقين لدى ارباب العمل والمجتمع, وإنشاء شبكة من الداعمين والمساهمين في مجال دمج الأشخاص المعوقين في مكان العمل؛ كل ذلك أسهم في تحويل طاقات كثيرين من الاشخاص المعوقين في لبنان, وخاصة في محافظة البقاع التي تحظى بحصة كبيرة من الحرمان والإهمال الرسميين, من طاقات كامنة الى متفاعلة ومنتجة.
عمل المشروع على الإفادة من قانون 220/2000 المتعلق بحقوق المعوقين في لبنان, المرتكز على القواعد المعيارية للأمم المتحدة حول تكافؤ الفرص وبرنامج العمل العالمي من اجل المعوقين. اذ انه يضمن حق المعوقين بالحصول على تربية ملائمة, وخدمات الدعم, والعمالة, والخدمات الطبية, والرياضية, ووسائل النقل العامة, وخدمات أخرى. كما يركز على حق المشاركة يمنح القانون حق العمل للمعوقين, ويعزز فرص عملهم من خلال إلزام الشركات باستخدامهم, إذ يحدد القانون النسبة المئوية المفترض حجزها لتوظيف المعوقين (3%) في القطاعين العام والخاص ربطاً بعدد الموظفين. يستهدف المشروع كافة شرائح المجتمع اللبناني في منطقة البقاع. اما المستفيدون الاساسيون فهم الاشخاص الذين لديهم حاجات إضافية, وعائلاتهم, لا سيما المعوقون الشباب نظراً لأفتقارهم لخطة تأهيل وتوظيف واضحة, النساء المعوقات بهدف زيادة مشاركتهن وتفعيل دورهن.
قبل الشروع بالعمل في مركز التوظيف التابع للمشروع, كان لا بد من إجراء دراسات متنوعة منها: دراسة واقع عمل الاشخاص الذين لديهم حاجات إضافية في منطقة البقاع في لبنان: المصاعب والفرص, شملت العينة 200 شخص في منطقة البقاع. وقد أظهرت الدراسة ان 67% من إجمالي عدد الاشخاص الذين لديهم احتياجات إضافية في منطقة البقاع هم عاطلون عن العمل. وان اغلبية الاشخاص الذين لديهم حاجات إضافية يعملون في مهن خاصة يطغى عليها الطابع العائلي. أما من خلال دراسة مسحية لسوق العمل في منطقتي البقاع الغربي والاوسط, شملت 40 شركة من مختلف القطاعات الإنتاجية والصناعية والصحية والتربوية والزراعية؛ ظهر ان المهن تتجه أكثر الى اتخاذ الطابع التكنولوجي بعيداً عن المهن التقليدية (تحديث البرامج). في آلية عملية التوظيف ضمن المشروع يتم استقبال طلبات توظيف للأشخاص المعوقين في مركز المشروع, قيام فريق متخصص من المشروع بزيارة سوق العمل للبحث عن فرص عمل, مطابقة فرص العمل المطلوبة مع طلبات التوظيف الموجودة, اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب, ومتابعة سوق العمل والأشخاص المعوقين بعد التوظيف. تعرضت يحفوفي للإشكاليات والحواجز التي قد تعترض التطبيق المثالي لهذه الآلية, وكيفية التدخل المباشر مع القطاع الخاص, والعمل على تأسيس شبكة داعمة للدمج.


طبقوا القانون!
ورأى رائف انه لا يمكن المبالغة في تحميل الخطة الموعودة من خلال مؤتمر باريس3 اموراً لا تحتملها بطبيعتها. فهي ليست استراتيجية التنمية الوطنية, بل هي خطة عمل تتضمن مجموعة من الاجراءات التي تعتبر من وجهة نظر الحكومة مدخلاً لعملية الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي, ولا يمكن بالتالي تقليص الفقر من خلال بعض القروض التي تمنح وفق شروط معينة قد لا تتحقق في معظم الاشخاص المعوقين في لبنان, إذ إن معظمهم لم يحصل على بطاقة الإعاقة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية, ونسبة كبيرة منهم لم يسمعوا بهذه البطاقة.
والحل بنظر رائف يكون من خلال تطبيق القانون الذي ينام على الرف منذ ست سنوات وبالتالي يوضع حد للمتاجرة بالأشخاص المعوقين على انهم من الفئات المهمشة ويتحولون بالتالي الى طاقة منتجة فالنمو الاقتصادي يحتاج الى مدخل لاحقاق التوازن المالي لمتابعة السير, لذلك تم تجاهل تضمين الورقة الاجتماعية اي سياسات قطاعية؛ واعتبر المفتاح في التوازن المالي, إضافة الى الاجراءات الاساسية من إصلاح مؤسساتي وخصخصة وإشارات الى تطوير القطاعات والسياسة الاجتماعية وتدخلات اجتماعية مباشرة. لذا فباريس3 قد يفتح الباب, لكنه لا يلامس حاجات الاشخاص المعوقين, لا سيما انه يجب ان يتبع بوضع سياسات إقتصادية عامة ثم سياسة قطاعية, فما ذكر في الورقة يقع في الجزء المعجل منها, على ان يتم وضع خطة للسياسات الاجتماعية وتتضمن إصلاحات هيكلية؛ تبدو الحكومة الحالية عاجزة عن وضعها, فلو طبق القانون لكان الاشخاص المعوقون في غنى عن انتظار اي مؤتمر يحتاج تطبيقه الى خطة نمو شامل.. طبقوا القانون!
أيوب خداج

Comments