زائلون

ينبع الليطاني من العليق غربَ بعلبك، ويصب في المتوسط قرب القاسمية. يمرّ في طريقه بالملل والنحل. البعض يهزأ به. البعض يعمل ليلَ نهار على تلويثه بفضلات المصانع والمعامل. آخرون يستجلبون الأموال لمشاريع وحملات تسعى إلى حمايته وتنظيفه. 
بعضهم يستعمله في «توك شو» عن حماية المستهلك. باحثون يجعلونه ميدان اختصاصهم. طلاب يلعنونه إذ يمر في سؤال امتحانهم. مستجمون يتخذون من ضفته متنزهاً ومتنفساً. عائلات تبترد بمائه هرباً من حرّ يقترب.. يأنس ببطيخة تمتص من برودته. يضم طفلاً هنا ويلاعب آخر هناك. يمر هادئاً، وكلما تغير لونه، وشحّ ماؤه تبعثه أمه الأرض متدفقاً من جديد ليحيي السهل ويسقي العطاشى.
كان قبلكم. قبل بياناتكم، ولافتاتكم، وساحاتكم، واعتصاماتكم. قبل التمديد والتجديد، والتجميد، والتكليف والتأليف، وربطات العنق، وجلسات اللجان، وفحيح الصالونات. قبل الخطف والقنص والقصف، والنزوح والدعم والإيواء. 
كان قبلكم. قبل تحويل الأزقة إلى محاور وجدران البيوت إلى دشم. قبل أن ترفعوا شعاراتكم، وأعلامكم، وآياتكم، وصور شهدائكم. قبل أن تبث شاشاتكم مشاهد القتل الجماعي والذبح وأكل القلوب. قبل أن تبثوا الرعب في صدور الأطفال على عتبة النوم وبعده. قبل أن تتسللوا بوجوهكم الكالحة ولحاكم، إلى أحلامهم. كان قبل خطاباتكم النارية ومؤتمراتكم الصحافية والميكروفونات واللوغويات. قبل مواعيد فتنتكم المتنقلة، المعجلة والمؤجلة. 
كان يمرّ هادئاً عنيداً، لا يميز بين برّ وفاجر.. يسقي الجميع. 
كان قبلكم. وسيكون بعدكم حين لن تكونوا. سينبع من العليق غربَ بعلبك، ويصـــب في المتــــوســــط قرب القاســــمية.
عماد الدين رائف

Comments