"كوفي بريك"

يدّعي بعض أرباب الـ «أن. جي. أوز» أن الأحداث الطائفية، وجولات العنف المتنقلة مناطقياً، التي نشهدها منذ حرب العام 2006، أو منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قد قضت على ثمار عدد كبير من النشاطات اللاعنفية. 
ملايين الدولارات، واليوروهات أنفقت.. وضاعت سدى، تحت شعارات «تعزيز السلم الأهلي والمواطنة»، «السلم الدائم»، «بناء ثقافة السلام»، «فضّ النزاعات»...، وما إلى ذلك من عناوين، ترجمت على الأرض بعدد هائل من ورش العمل، والندوات، والمؤتمرات، والطاولات المستديرة والمستطيلة، وعدة تزين الجدران من طلاء وفراشٍ وسواعد. خاضت غمار تلك النشاطات مئات الجمعيات الأهلية، وجمعيات أخرى تحت مسمى «شركات مدنية لا ربحية»، نبتت وتكاثرت كالفطر، بل كالطحالب، فوق الجسم الهش للمجتمع الممزق. 
نشاطات «هادفة» مبرمجة، موضبة، قاربت بين عينات من الشباب. يلتقي الشباب، الذي يفترض به أن يكون متنازعاً، وفقاً للطائفة أو المنطقة. يلتقون لساعات، أو حتى لأيام، إن كان النشاط «مقيماً». وتطرح الأفكار، ثم يتم تقسيم المشاركين إلى مجموعات، وتسجل الآراء على «فليب تشارت». ويتبادل الجميع عناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف، والابتسامات.. و«يا دار ما دخلك شرّ». إلا أن الشر سرعان ما يجد طريقه ليدخل مع جولات عنف وحرق دواليب. 
من غير المستغرب، أن يكشف المستقبل، أن مصدر تمويل تلك النشاطات الهادفة إلى السلم المفقود، قد يكون هو نفسه، ربما، مصدر تمويل ملايين الطلقات وآلاف القذائف التي أطلقت خلال حفلات الجنون المتنقلة على طول خريطة الوطن. فبعد كل حفلة جنون ستولد جمعيات تدعو إلى ورش عمل لفضّ النزاعات وتعزيز السلم، يتخللها، «كوفي بريك»، لتبادل الابتسامات الباردة.

Comments