سكّان المقابر

مع بداية الحرب السورية، تدفق النازحون إلى أقارب ومعارف لهم. وتحدث الإعلام إلى حدّ الإسهاب عن «حقيقة» الروابط العائلية والاجتماعية والثقافية، التي تربط السوريين باللبنانيين. فتحت لهم عائلات لبنانية بيوتها. وكان كل نازح يروي سبب نزوحه، والبعض جاهر بعدائه للنظام السوري، وعبّر البعض عن استحالة عودته قبل سقوط النظام.
ترافق ذلك مع حملات سياسية وإعلامية تحتضن الهاربين من الجحيم السوري، وآراءهم. وحملات مضادة راهنت على محو «الثورة» والمعارضين للنظام، وباتت تحدد مهلاً زمنية لذلك. واللبناني «الشاطر» استخدم النازحين في بازار السياسة الداخلية وعلى الشاشات، حتى أن بعض الحملات الانتخابية البلدية قامت على ظهورهم. وكأن الطريق إلى كرسي بلدي لم يعد يمرّ إلا عبر علم سوري «جديد».
إلا أن العبء تضاعف مرات ومرات شهراً تلو آخر. وما كان «حقيقة» عن الروابط العائلية والاجتماعية، بات يُستحضر كدواء للصبر المُرّ. وبات النازحون يُرمون في الشارع. ذلك في ظل تجارة رائجة ترافقت مع تدفق مساعدات، وسماسرة ضاعفوا ثرواتهم مستغلين المأساة، وأصحاب أملاك قايضوا أمتاراً مربعة بآلاف الدولارات شهرياً. أما وعود الدول، فتبقى وعوداً. والجمرة لا تحرق إلا مطرحها.
أمام أحد مراكز توزيع قسائم شرائية على النازحين في بيروت، احتشد المئات منهم، مع أطفالهم. وعاد معظمهم بلا تلك القسائم. تذمر السائقون من الجموع. تذمر المارة، والشرطي الوحيد هناك... أمٌ نازحة تحتضن طفلها، عادت خائبة الأمل، تخفي دموعها بعد انتظار لساعات. «نحنا مانّا شحادين!».
«لوين يا أختي؟».. خرج صوتها جارحاً الحنجرة كسكين «عَ المقبرة». رفضت أن يدفع عنها أحد أجرة السرفيس، نحو إحدى مدافن العاصمة، حيث تسكن مع من تبقى من أفراد عائلتها.
عماد الدين رائف

Comments