"شارل الحلو"

«محطة شارل الحلو» قرب المرفأ، وجهٌ آخر لبيروت. بل «مدينة» أخرى ذات وجه بائس.
يطلق اسم «شارل الحلو» على المحطة، فتتبادر إلى الذهن قبل رئيس الجمهورية الأسبق، الذي سميت المحطة باسمه. عهده شهد هزيمة 1967. أما اليوم، فلعهد آخر، ولهزائم أخرى، معظمها نفسي.
للمحطة وجه كئيب، يزيد من كآبته لونُها المغرق في رماديته، بعد التصاق دخان السيارات والحافلات، بجدرانها. جوّ المحطة ثقيل، هواؤها مشبع برائحة دخان عوادم المركبات، ونتانة مزمنة تنبعث من مراحيض، وجدران.. ألوان الحافلات على تنافرها لا يزيح الرمادي.
سكانها خليط من المقيمين والعابرين. معظمهم من السوريين النازحين المؤقتين والدائمين. تجمعهم الهوية، وتفرقهم انتماءات الحرب الدائرة رحاها في بلادهم. وكلاء مكاتب يعدون أوراق النقود. قاطعو تذاكر متجهمون. سائقون على وجوههم سمات المعارك والطرق غير الآمنة. بائعو كشة يتجولون هنا وهناك. متسولون متمرسون. «متسولون» آخرون بلا خبرة يبحثون مع أطفالهم عمّا يسد الرمق.
أمٌ تودّع ابنها الشاب بحرقة، قد لا تراه من جديد. فتيات متشحات بالسواد يخفين ما ظهر من وجوههن بأغطية رؤوسهن. شبان يجلسون على حاجز إسمنتي طويل، وجوههم إلى المحطة، ويدخنون بصمت.. رجل بلحية من دون شاربين يتفرس بعائلة قررت العودة إلى قرية في ريف حمص، تحشر عدة نزوحها بين أمتعة المسافرين أسفل البولمان.. أطفال عابسون ينظرون إلى لوحة إعلانية على الجهة المقابلة من الشارع.. نــــازحون في أولى سـاعات نزوحهم.
ما أفظع أن تكون «محطة شارل الحلو» أول ما يراه النازح إلى بيروت.
عماد الدين رائف 

Comments