مسرحية جنون

كلما ظننا أننا نكاد نشهد آخر فصول في مسرحية جنون المنابر المذهبي، يتهيأ للمسرحية مموّلون، ومنتجون، ومخرجون، وعناصر جذب درامية، تؤمن استمراريتها.
ربما نكون مخطئين، وعلينا مراجعة حساباتنا بدقة. ربما نكون مغفَّلين، أسهبنا في أحلامنا عن «وطن» لا وجود له.
مسرحية الجنون التي نشهدها قد تكون هي الواقع الذي علينا أن نعترف به. وأن يكون اعترافنا به نهائياً. أما «الوطن» فليس سوى فترة الاستراحة بين فصلين من المسرحية.
نشعر في فترات الاستراحة تلك بـ«المواطنة»، نعبّر عن «مدنيتنا». نتلمس بطاقة الهوية الممغنطة، التي تحمل صورة تحت أرزة،.. ولا تحمل طائفة أو مذهباً.
نحاول الحصول على حقوق الفئات المهمّشة، أن نجمع جهداً «تراكمياً» تركته لنا فترة استراحة سابقة.
نتطاول على «المكتسبات التاريخية للطوائف الكريمة». ونتوهّم أننا نتمتع بحرية ما خارج أسوار المذاهب.. نطالب بحقوق الإنسان، بحقوق العمال ونقاباتهم، وبإلغاء جميع أشكال التمييز تجاه المرأة، وباتفاقية حقوق الطفل، نطالب بالمخطوفين والمخفيين قسراً، وبتطبيق قانون منسيّ لحقوق الأشخاص المعوقين. نطالب بالمساواة وتكافؤ الفرص.. لكن سرعان ما يتلاشى الوهم، ونستيقظ من أحلامنا إلى الواقع.
واقع الطائفة، المذهب، القبيلة، العشيرة، العائلة، المنطقة، الشارع والزاروب. واقع قطع الأيدي، الألسن، بقر البطون، «الدم الذي يغلي» تحت كل منبر وهدر دم الآخر. ذلك «الآخر» الذي لا يمكننا تمييزه عن «الآخر»، لكثرة التشابه بينهما.
ربما نكون مخطئين، وعلينا ألا نكابر، أو أن ندّعي الفهم. أن نعترف أن جهودنا تضيع، وستضيع سدىً.. فما هي إلا فترة استراحة بين فصلين في مسرحية جنون.
عماد الدين رائف

Comments