لكل قضية تجارها


قبل حصولنا على الجنسية اللبنانية بالولادة، تغلغل الفساد شيئاً فشيئاً في جسم الوطن. 
تغلغل الفساد في الإدارات العامة، وفي معاملات المواطنين في ما بينهم. ثم أخذ جرعة قوية وتوسع مع غياب الأحزاب عن أداء أي دور اجتماعي فعال، وتغييب النقابات وتفتيتها. واستشرى في «المجتمع المدني»، الذي حمل بعض فتات القضايا النضالية، التي باتت شعارات تستهلك بين الحين والآخر في ندوات، وعلى طاولات مستديرة أو مستطيلة، وفي ورش عمل محلية وإقليمية. 
جمعيات يفترض أنها «لا تبغي الربح»، أنشئت بموجب القانون العثماني للعام 1909، تلاقحت وتكاثرت ونمت كالفطر مع ضخ التمويلات ضمن سياسات «البنك الدولي» و«منظمة التجارة العالمية»، ووكلائهما في تنفيذ مشاريع محدودة الأهداف والنيات. 
وظهرت «قيادات»، تفهم «اللعبة». تفهم حدود المكاسب الشخصية، وحبكة صناعة المشاريع. فبات بإمكان نحو عشرة أشخاص تأليف عشر جمعيات، ذات شعارات متقاربة، ثم تأليف «اتحاد جمعيات». وتطل الرؤوس المحتكرة للقضية من منصتها الجديدة، التي لا تمثل أحداً، على الشرفة الإقليمية، ثم الدولية. 
هكذا تمر السنوات ولا يصل أصحاب القضية إلى شيء من حقوقهم. أما المنتفعون الفاسدون فيحافظون بكل «أمانة» على احتكار القضية وخنق أصحابها، كي لا يصل صوتهم إلى أي مكان. 
ذلك لا علاقة له بـ«نظرية المؤامرة». هو كلام على قطاع منتج يضح المليارات على محتكري تمثيل الفئات المهمشة. والمحتكر الفاسد يرى الجميع فاسدين مثله. 
أما من لم يتلوث بالفساد من الأفراد والجمعيات، ويحمل بالفعل قضية محقة، ويحاول أن يوصل صوته.. فـ«له الله».
عماد الدين رائف

Comments