غضب السماء

أغلقت السماء أبوابها وحبست أمطارها. خللٌ ما أبطل مفعول معادلة أزلية. وبتنا نبحث عن تفسيرات علمية، وأخرى ماورائية. لكن يبدو أن الأمر أبسط من ذلك.
أجدادنا قسموا الشتاء إلى أربعينية وخمسينية. قسمة عبّرت عن انتمائهم للأرض وانتظارهم لماء السماء الذي يروي زرعهم، ويكثّر غلالهم.
وكانوا يعتقدون أن للسماء خطة مُحكمة تتبعها ما داموا قد أدوا واجبهم تجاه الأرض. وأنها لا تخيّب آمالهم، تماماً كالميزان. فإن ساء أول الشتاء صلح آخره، والعكس صحيح. كانوا متصالحين مع الطبيعة من حولهم، ومع جهدهم الذي يبذلونه مع أمهم الأرض، لتعطيهم كفاف عامهم.
في كانون وشباط، كانوا يتحدثون عن أربع نجوم، أسموا كلاً منها بـ«سعد»، لتأثيرها على حياتهم ومعيشتهم. أولها «الذابح»، فـ«البالع»، ثم «السعود»، وآخرها «الخبايا». فبعدما ترتوي الأرض وتغرق بالمطر، تبلع ما عليها في السهول، وتمتص خير الثلوج المتراكمة في الجبال. ثم ينتظرون في مثل هذه الليلة أن تظهر نجمة شديدة النور يسمونها بـ«سعد السعود». يتيمَّنون بها، ويتوقعون مع ظهورها الخير والبركة.
لم يأت «سعد السعود». لم يظهر في سماء غاضبة حبست ماءها. ذلك ينِمُّ عن خلل في العهود القديمة بين الإنسان والطبيعة. فالأرض تُروى بالماء، لا بدماء الأبرياء. تُغرس بالبذار لينمو الزرع فيطعم الجياع. ولا تغرس بالانتحاريين وأشلاء العابرين.
كان الأجداد يحكون لغة الأرض فترحمهم السماء بماء يرويهم ويرويها. أما أرباب اليوم، وقد أضاعوا بوصلة الأرض، وحشوا أدمغتهم بخزعبلات عن جنّة وحوريات، ثم ضاعوا في غابة التناحر، واستهتروا بجنتهم التي تحت أقدامهم.. فأي «سعد» سيأتيهم؟
عماد الدين رائف

Comments