غولٌ آخر

تصحرّت الحنفية. لا ماء فيها.. وعلى مدخل البناية ألصقت ورقة كتب عليها الناطور بخط يده «مياه الخدمة مقطوعة». أسبوعان مرّا، وما زالت الورقة مكانها إلى جانب ملصق أخضر يزينه فانوس «رمضان كريم».
لم تعد أرقام الساسة وإعلانهم «حال الطوارئ» تعني شيئاً. لا التصريحات التي تتضمن نسباً، ولا البيانات التي تتضمن إحصاءات.. الأرقام ليست سوى لغو إضافي، يزين مواقف ظاهرها سياسي، أما باطنها فينطوي على مصالح شخصية، تدرّ أرباحاً عليهم وعلى حواشيهم.
أخيراً وبعد الاستهتار المزمن، انتبه الساسة إلى أن «وضعنا المائي سيئ جداً. ونحن في حاجة إلى إعلان حال طوارئ فعلية لمواجهة الكارثة». آخر إبداعات لجنة الطاقة والمياه النيابية، التي عقدت اجتماعها للبحث في «آلية عملية لمعالجة أزمة شحّ المياه»، أن تستجرّ الفرج، كالعادة.. «من تركيا».
أما طريقة الاستجرار تلك، فليست عبر أنابيب.. بل بـ«وسيلة حديثة» عبر «بالونات بلاستيكية». غموضٌ يحاكي المغامرة، ولا يوازي ما سندفعه لمنتجيها من جيوبنا وأعصابنا.. يوحي وكأننا في صف العلوم ندرس عن التبخّر والتكثّف، وحالات الماء، بين الصلب والسائل والغاز، وتغيراته الفيزيائية بدون المسّ بالهيدروجين والأوكسجين.
تلك ليست مزحة سمجة في زمن اللااستقرار الأمني والاقتصادي والمعيشي والأخلاقي.. بل كارثة مستوردة جديدة تضاف إلى «فاطمة غول» و«أورهان باي»، التركيتين.. اللتين، وحده الله والراسخون في النسب والأرقام، يعلمون لماذا تزينان شاطئنا.. ولا كهرباء في بيوتنا.
هي ليست مزحة، بل «غولٌ» آخر، يتقاسم المغانم مع الساسة.. ولا يوصل المياه إلى الحنفية.
عماد الدين رائف

Comments