تشريباشكا

كانت القراءة حتى فجر 12 تموز 2006 قد أرهقتني. غفوت إلى أن أيقظني رصاص ابتهاج. تكاثف الأزيز، وبدا مختلفاً عن الابتهاج الأخير بنيل إيطاليا كأس العالم. هبطتُ الدرجات الكثيرة نحو الشارع، المزين بأعلام المونديال، لأستعلم.. «عملية الوعد الصادق». توزيع حلويات على المارة والسيارات.
عدت أدراجي.. كان قد مرّ شهر عليّ وحيداً، بعدما سافرت العائلة. وحيدٌ مع سلحفاة صغيرة صنع لها أطفالي بيتاً كرتونياً. أسموها «تشريباشكا». كلفوني بمهمة تنظيف بيتها يومياً، ووضع الطعام والماء فيه.
إلى العمل. في المكتب، الذي سيتحول إلى مركز «برنامج الإغاثة والطوارئ» لثلاثة وثلاثين يوماً، ثم لبرامج «النهوض» لأكثر من سنتين، ساد صمت طويل. وجوم وغموض. سؤال وحيد «ما العمل؟». استُحضِرت مشاهد الإغاثة من عدوان 1996، ثم 1993، وكان الأسوأ استعادة مشاهد اجتياح 1982. العائدون من اجتماع طارئ في «الأونيسكو» كانوا يدركون أننا «أمام خطب جلل». لماذا استُخدِمت تلك العبارة بالفصحى؟ بدت غريبة.. لكن أحداً لم يبتسم. كنا ندرك أن كل شيء سيتغير.
«ما في نومة بالضاحية». أمرٌ يعنيني مباشرة. في «السرفيس» فكّرت. لا شيء لدي أخسره في تلك الشقة القديمة المستأجرة.. فلماذا أتوجه إليها؟ وضبت ثيابي القليلة، ثم تذكرت «تشريباشكا». وجدت كيسا ورقياً ملائماً لإجلائها فوق ورقة خسّ.
على الطريق، رفضني سائق الأجرة «هربان يا جبان!». ابتسمت. مرّ آخر بي «إن الموت لنا عادة.. وكرامتنا من الله الشهادة».. مشيت، ومشيت.. وأنا ألوم أطفالي و«تشريباشكا».. على تحملي إهانات من أناس طيبين، لن يكون أحدٌ منهم في الضاحية بعد يومين.
عماد الدين رائف

Comments