"سيّف بتكيّف"

ما إن تطأ قدمك عتبة الزنزانة، حتى يتداعى المشهد الذي رسمه غوّار في أغنية «فطومة».. لا قباقيب، ولا مساحة للرقص على أنغام «خدي قلبي شيلي مِنّو شي ناره».
هي عالم سفلي ذكوري قاس.. نزلاؤه يكرهونه ويحفرون أحلامهم على جدرانه بأظافرهم. يرون أن كثيرين ممن هم خارج الزنزانة يجب أن يكونوا فيها. أما هم فـ«أبرياء»، وجرائمهم لا شيء أمام ارتكابات أمراء الحروب وتجار الموت.
داخل الزنزانة «الكبير» و«الجاويش» وسجناء «اكسترا».. وشلل. ولكل منهم مصالحه، وتواصله مع «برّا». «الكبير» بمرتبة «الآمر»، هو الأكثر سطوة والأعتق، يضع خططًا مرحلية مرتجلة لإدارة أزمة مستمرة. حوله أتباعه، وانقسامات مذهبية وحزبية عابرة للزنازين، يلتقي فيها أهل «القاووش» مع الدرك، حيناً ويتنافرون أحياناً.
المساحة، التي رُسمت لثمانية قد يزدحم فيها أكثر من عشرين. نهارًا، يجب أن تدرس حركاتك سلفًا، فتجاوز الحيّز المكاني لـ«زميل»، لن تكون عواقبه حميدة.
ولليل طقوسه.. فما إن يأمر «الكبير»، حتى يصيح التابع «عَ الواطي يا تعاطي.. التجار بدها تنام». تخفت الأصوات، تتحول إلى همس.. يتحرك كلٌ إلى مكانه، وفق آلية صارمة.. «كعب راس». أما إن كان الزحام كبيراً، فـ«كل واحد ع سيفو.. سيِّف بتكيِّف». هي وضعية ستحرمك من الحركة. تستلقي فيها على جنبك الأيمن بزاوية حادة، وذراعك تحت رأسك، يلتصق صدرك بظهر سجين أمامك، وظهرك بصدر آخر خلفك.. إلى أن يطلع الصباح.
الزنزانة عالم قاس، لكن لا أبواب خلفيه له.. قوانينه لا يخرقها موقوف أو سجين «عادي». أما الوطن السجن الكبير، فلكل قانونه الذي فيه مسالك ودوائر والتفافات، ويندر أن يحترمه أحد.
عماد الدين رائف

Comments