"سينما راديو"

يحملك مشهد الإجراءات الأمنية المشددة، والجنازير، والعوارض الحديدية والبشرية، وكثافة «الاستشهاد»، والرعب الحالي والمؤجل.. ويرمي بك على عتبة «سينما راديو».
كانت «راديو» الثمانينيات عالماً مرغوباً فيه، فعلى الرغم من بعدها النسبي عن البيت، بدت أكثر إلفة من «بالاس».. وعلى الرغم من قدمها وتهالكها، كانت ألطف من «هيلتون» و«ساندريلا» الحديثتين، المزودتين بشبابيك تذاكر وخشبتي مسرح.
كانت «راديو» قد فقدت «مجدها»، والطريق إليها محفوفة بمخاطر سقوط قذيفة، أو رصاص طائش، أو حاجز مليشياوي مرتجل، أو شلة زعران. إلا أنها شكلت إحدى الفسحات «الثقافية»، بحدّها الأدنى، في الضاحية. كانت إحدى النوافذ المطلة على عالم آخر، حيث الناس يتعلمون، ويعملون، ويحبون، ويعودون إلى بيوتهم آمنين.. ويموتون «موتة ربهم».
أهجرُ «التوشيبا» الأسود والأبيض، ذا القوائم الأربع، الشبيه بالخزانة. وأنطلق بـ«ليرة حجر» نحو عالم الألوان. على المدخل أفيشات، كتبت فوقها عبارة «أقوى الأفلام الأجنبية».. نادراً ما كانت تلك الأفيشات تتوافق مع ما يُعرض في الداخل، حيث لا توقيت لبدء العرض، ولا خيار لنوعية الأفلام.
داخلها المظلم دائماً، بفضل العرض المتواصل والمكرر لثلاثة أفلام، تملأه مجموعات وأفراد من المدخنين، والمتسكعين، والعاطلين عن العمل، وبعض محبي الشاشة الكبيرة، الذين لا تسمح لهم حالهم المادية بالتوجه إلى صالات بيروت. يجول بينهم في الصالة والبلكون بائعو «الجلول» والكعك. يربط البائع المتسلح بأنتريك، صندوق «الكازوز» إلى رقبته بحزام، وينادي على بضاعته.. فيما يتفاعل المشاهدون مع الفيلم بالصراخ والضحكات والتنكيت.
ضاحية اليوم، تقتصر «الحياة الثقافية» فيها على مجالس العزاء، وأراكيل الأرصفة.. وتكثيف الدين والرُّهاب. فهل لنا بقاسم اسطنبولي آخر، يضيء شمعة في هذه العتمة؟
عماد الدين رائف

Comments