بصرو المقاوم

يردّد المجيب الآلي بصوت أنثوي للمرة المئة «أهلاً بكم على شبكة أم تي أن. إن الرقم المطلوب غير موضوع في الخدمة بعد. يُرجى التأكد من الرقم، والمحاولة من جديد». أيام تمرّ وأنا أحاول التواصل مع الصديق بصرو.
مدينة كوباني الكردية محاصرة. «الإرهاب المتأسلم» يزحف بظلامه عليها. قرى المنطقة تتهاوى واحدة تلو أخرى بالرغم من المقاومة الشرسة.. جموع نازحين لا تحدّهم صور الوكالات يتجهون نحو الحدود التركية القريبة.
أبحث عن وجه بصرو في آلاف الصور. أكتب اسمه بالروسية والعربية واللاتينية. أحاول أن أتذكّر كيف يكتبه بالكورمانتشية. أخيراً أجده على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. يقف بين زملائه الأطباء أمام سيارة إسعاف، مبتسماً رافعاً شارة النصر.. كعادته. لم أستطع التواصل معه بعد، إلا أنني ارتحت لرؤية ابتسامته وقد غزا الشيب بعض شعره. ارتحت لرؤية صورة أُدرجت له أمس، بدا ثائراً على طريقته.
التصق وجه بصرو في الذهن بلقطة لنا قبل ربع قرن. وقفنا تحت تمثال لينين على مدخل «بارك غروكوفا» في مدينة روستوف الروسية. لم يظهر من التمثال سوى قدميه. لطالما تبسمتُ كلما وقعتْ تلك الصورة تحت نظري. رحل بصرو إلى ستافروبل فتبعته بزيارات.. تخصص وتزوّج وأنجب، ثم استقر في بلدته التي يعشق.. كان لا يوفر فرصة إلا وعبّر عن عشقه لها.
مع بداية الحرب السورية رجوتُه أن يأتي مع عائلته إليّ.. فرفض. كان ذلك آخر اتصال بيننا. شكّل له فرصة جديدة ليعبّر عن تمسكه بأرضه. اليوم، إن استطعت التواصل معه سألقى الجواب نفسه. وإن زحف الظلام إلى كوباني سيقف بين المدافعين عن ترابها.. ويقاوم.
عماد الدين رائف

Comments