ثقافة الأوتوستراد

المدخل الجنوبي لبيروت يلامس مسامع المواطنين مع طوفان يسدّ نفقه بالمياه حيناً، أو أشغال طارئة حيناً آخر، أو زحمة سير خانقة أحياناً.. تلك الأخبار العابرة لا تتوقف عند ميزة الأوتوستراد.. إذ إن جداري مسربيه يرويان حكاية البلد.
أما سالكو الأوتوستراد فهم أسرى لا يمكنهم أن يسرحوا بأنظارهم بعيداً. يمنح الجداران العابرين رحلة قراءة مجانية، متسارعة مع انفتاح السير أو متباطئة مع حادث أو حاجز.. يمتعون أنظارهم بشتائم مبتكرة أو مستخرجة من قواميس الأرياف وأقبية المدن.
إلى جانب الشتائم، يجد العابرون مساحة حرة لمشاعر جياشة لا تخلو من إباحية. مساحة رحبة للغرام، بذكورية أو بهضامة. تختلط فيها أسماء الفتيات بجنسياتهن وأعراقهن، إلى جانب أسماء أصحاب رسائل البوح بالحب العذري والجسدي.. وتتعدد أسماء الأماكن والقرى والأحياء بتعدد مآرب «الفنانين» وخطوطهم.
يؤمّن الجداران مساحة حرة للتعبير عن «إبداعات».. ومشاريع حلول لمشاكل مستعصية تتلمس الوحي من الغيب حيناً ومن المدنية أحيانا. وكذلك عن الأفكار والهواجس، وردود الأفعال على حوادث أمنية وسياسية.. ولنشر الشعارات الطائفية والمذهبية، والمواقف من الآخر.
ولأن الجدارين ثابتان مكانهما، تتكاثر العبارات فوق بعضها البعض.. ويمنح تمايز ألوانها القراء أرشيفاً يعود إلى تاريخ استحداث الأوتوستراد، إثر حرب أهلية كانت قد استباحت جدرانا أخرى مسرحاً لشعاراتها.
جداران أكثر صدقاً من الساسة ومنابرهم المرئية والإلكترونية.. يمثلان امتداداً لثقافة ما قبل «الفايسبوك» و«تويتر».. ثقافة ملموسة أكثر احتكاكاً بالناس، أكثر واقعية.. واستمراريتها مضمونة مع كل شعار يؤمنه رذاذ سبراي على الإسمنت الكئيب.
عماد الدين رائف

Comments