عرس الماء

لا بهجة للعيد في صُور. القلق يزنّر أيامها المجبولة بالتعب.
تمشّطُ أزقتها من الماء إلى الماء، يجذبك تزاحمُ الألوان في ثياب صغارها وهم يلهون بلعبة الكبار.. تهربُ من خرزات بنادقهم البلاستيكية وصخبهم المُحاكي حربا مستمرة.. تقتربُ مع كل خبر عاجل.
يأتي العيد مع تشرين، يتزامن مع عيد آخر منسيّ كان يحمل فرحة لم تعد مألوفة، يحكي عنه كبار أهلها، ويوثقه الرحالة.. كما في كلمات جيوفاني فيليبو مارتيي، ذلك الحاج الذي ترك تسعة مجلدات روى فيها عن رحلته إلى منطقتنا - نبع الديانات والتقاليد. مجلداته تسرّبت من الإيطالية إلى لغات أخرى، لكنها تناثرت في العربية.
يقال إنه في أوائل تشرين كانت مياه النبع تغدو عكرة، وكان لونها يقارب الأحمر.. فيأخذ الأهالي بضع جرار من مياه البحر يصبونها في مياه النبع، فيعود إليها صفاؤها بعد ساعات. ذلك التقليد كان حدثاً مدنياً شارك فيه جميع الأهالي بالموسيقى والغناء. كان عرساً حقيقياً للمدينة. لكنه اندثر كما تندثر معظم العادات المميزة للمدن، لتحلّ مكانها عنكبوتيات الأسلاك الكهربائية وفوضى الأرصفة.. ورماديُّ إسمنت يحجب زرقة البحر.
تقفُ عند «نبع حيرام».. مبنى حجريّ صامد، متداخل العقد كتراكم الدهور. تدورُ حول المساحة المسيّجة التي تضمه. لا يزال «نبع البرج» مكانه، إلا انه لم يعد يستقبل الصوريين وهم يزفون مياه البحر إلى اليمّ.. فهم كما جميع أهالي منطقة الديانات يترقبون الآتي من الأيام بوجل.
فهل لصُور ببعض جرار من بحرها القريب، تُسكب في أيامها القلقة، لعلّها تستردّ بهجة العيد.
عماد الدين رائف

Comments