الأردن حبّي – مذكرات زوجة سفير

يحيط بك دفء المودّة اللطيف يحيط وأنت تجالس الأصدقاء في "نادي ابن سينا لخريجي الاتحاد السوفياتي" في عمّان، وإن دار الحديث عن حبّ الأردن فلا بدّ وأن يحضر ذكر السيّدة إلفيرا أراسلي وذكر كتابها "الأردن حبّي – مذكرات زوجة سفير"، الذي عرّبه الزميل سلطان نجيب قسوس (2012). يفخر رئيس النادي المهندس سلام الطوال بإهدائك نسخة منه. فإن قلت له: لقد قرأته بالروسية، يبادرك المهندس الحائز على وسام الصداقة الروسي: اقرأه بالعربية فهو جميل. 
نعم، جميلٌ جمال الأردن الذي استوطن في قلب سيّدة الشمال الأذربيجانية. قبله كانت كتب، منها "الفراشة والريح" (1977)، "جزيرة تين" (1978)، "زار العجيبة" (1980)، "مدينة الظبي الوردي" (1982)، "المملكة السعودية بعيني زوجة دبلوماسي" (2003).. كتب في جعبة الفنانة والكاتبة السوفياتية إلفيرا أراسلي، التي أيقظ عالم الشرق الساحر موهبتها الأدبية، قبل أن تنطلق في قصة حبّ مع الأردن، حاكتها بعناية خيطاً فخيطاً لمدة ثلاث سنوات.
كانت المهندسة الجيولوجية إلفيرا علييفا أدميراسلانوفا قد رافقت زوجها الدبلوماسي السوفياتي ألمان اراسلي في أماكن عمله ممثلاً بلاده، لمدة 33 سنة، تنقلت أراسلي بين مصر والعراق والأردن واليمن والسعودية. وقد راودتها فكرة الكتابة عن الأردن حين زارت المملكة للمرة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الظروف حالت دون انطلاقتها في التدوين. بعد زياتها الأولى للمملكة، جالت أراسلي لسنوات في رحاب الكتابة القصصية الأدبية وفي أدب الأطفال، وأنتجت مؤلفاً عن سيرة أبيها الجيولوجي السوفياتي علي أراسلي قبل أن تحطّ رحالها مجدداً على الصفة الشرقية للنهر المقدّس.
تجول أراسلي فيه بين حقبات تاريخ البلاد، ترسم الأردن في غاية الروعة كما لو أنها ترسم إحدى لوحاتها الزيتية الزاهية، تلتقط كل جميل من حولها، لتضيفه إلى الرسم. وتصبّ تلك اللوحات في قالب أدبي سلس الكلمات. كما يقول المثل التتاري "الكلمة لا تملك أجنحة، لكنها تطير حول العالم". مبهرة هي لوحات وادي الأردن، تتسلّح أراسلي قبل الخوض في وصفها بشعر ليبيدنسكي "تحت سماء فلسطين الحارة/ ينساب الأردن المقدس ببهاء/ عندما يعمّ الضباب/ من السهل الغافي يتسلل بهدوء/ ومن الأمواج المتلألئة بحنان/ يطلّ علينا قمر الجنوب الساهر". هي جولة تاريخية في ألفي سنة وفي أقدار شعوب وهجراتها وحلولها في الأردن، ترافقها جولة أخرى على المعالم الأثرية والسياحية في المملكة، وعلى التنوع الثقافي الكبير فيها. تصحبنا أراسلي إلى مادبا الفسيفسائية وجبل نيبو، وبيلا القديمة وجرش والبتراء... والعقبة، لتعود إلى عمّون - فيلادلفيا. تعرّفنا إلى العادات والتقاليد، وخاصة تقاليد البدو وحياتهم وأعراسهم وأفراحهم، وحسن الضيافة لديهم. تستلهم من ميخائيل كاغانوفيتش ملامح سحر البادية فترسم معه اصطكاك الرمال تحت أخفاف الإبل المتّجهة إلى اللامكان، تماماً كتكسّر قشرة ثلجية شمالية تحت الأقدام. تتسلح أراسلي من جديد بالشعر، عندما تقف في مشهد الطقوس الاحتفالية لتقديم القهوة البدوية، التي ترمز إلى كرم الضيافة، فتتأمل مع عبد القادر الجيلاني قوله "الحقيقة ليست متاحة لمن لم يجرّب خيرات القهوة".
مما جعل الأردن أحبّ البلاد إلى قلبها في الشرق، تقول: "كل الأحداث المهمّة في تاريخ الإنسانية ابتداء من التكوين حصلت على بقعة صغيرة من الأرض بين آسيا وافريقيا تسمى الشرق الأوسط. الأردن جزء من هذا المكان التاريخي، الذي ترتبط به أقدار العالم، ماضيه ومستقبله. في القرآن يذكر الأردن كجزء من الأراضي المباركة. في سفر التكوين يسمّى وادي الأردن بالحديقة الربانية، ايديم – أي الجنّة. ومن لا يرغب أن يعيش في الجنة! أظن أن القدر منحني فرصة أن أكون هنا، وأن ألمس التاريخ بنفسي".


Comments