متحف يستحق الزيارة

بالأمس، سرقت بعض الوقت الثمين كي أتمكن من زيارة "متحف الاغتراب الروسي" (افتتح في أيار/ مايو الماضي)، الواقع ضمن مباني "بيت الاغتراب الروسي" الذي يحمل اسم ألكسندر سولجينيتسين، في شارع نيجنايا راديششيفسكايا، وهو في الواقع متحف للشتات الروسي في العالم كله. داخل جدران المتحف سيجد الزائر عالمًا آخر، يقدم المعلومات التاريخية بأكثر الطرائق حداثة، من الفيديو الرقمي إلى الشاشات التفاعلية والبانوراما الثلاثية الأبعاد. صحيح أن الشاشات المختلفة الأشكال والأحجام المزودة بسماعات للأذنين كثيرة جدًا، إلا أن المعروضات الأساسية وحدها، ومن دون أي مؤثرات رقمية إضافية كافية كي تدخل الزائر في رحلة ذات خط كرونولوجي يمتد من ما قبل ثورة أكتوبر 1917 إلى زماننا الحاضر. ألبسة عسكرية ومدنية، صور فوتوغرافية، رسوم ولوحات، مقتنيات شخصية لعلماء بارزين وأطباء ومهندسين وأساتذة في العلوم والفنون المختلفة وكتاب وشعراء وصحافيين وعمال وأجراء، كتب وقصاصات ودفاتر يوميات،... من دول مختلفة حلّ فيها الإنسان الروسي وتفاعل مع بيئاتها المحلية فغدا جزءًا منها.

بالنسبة إلى الآخر، غير الروسي، تكمن أهمية المتحف في أنه يحفظ جزءًا من التاريخ الاجتماعي للشعوب التي استضافت المهاجرين من شعوب روسيا القيصرية، واحتكاك هذه الشعوب، أفرادًا وجماعات ومؤسسات، بالشتات الروسي. أما في ما يتعلق بمنطقتنا، فلعل فلسطين حظيت بمستوى ملحوظ من الاهتمام الروسي كونها أرضًا مقدسة، ويليها لبنان، وذلك بفضل الباحثة تاتيانا كوفاشيفا بحر، التي نظمت ثلاث معارض عنه في "بيت المغترب الروسي" بين 2015 و2019، معرضان منها خاصان ("الروس في لبنان" – 2015، و"الموسيقيون الروس في لبنان: تنويعات في الثيمة العربية" – 2019) والثالث مشترك (كان لي شرف مساعدة تاتيانا فيه إلى جانب الأستاذ خليل برجاوي، وكان بعنوان "فنانون روس رسموا لبنان" - 2017).. أما باقي دول منطقتنا، التي شهدت هجرة روسية (سوريا، الأردن، مصر)، وعلى الرغم من النشاطات العلمية والأدبية للجاليات الروسية المهاجرة فيها وعلى مدى أكثر من قرن، إلا أن حضورها في المتحف ضعيف جدًا. ولا يكمن السبب في ضآلة حجم جهود الباحثين العرب، بل في تقصير الباحثين الروس من الجاليات المقيمة في سوريا والأردن ومصر، كما أظن، عن تقديم المواد العلمية التي تستحق أن تفرد لها معارض، تتحول خلاصاتها فيما بعد إلى معروضات متحفية.

Comments